قناطر الموصل.. تراث من الجمال العمراني وممرات نحو اسرار المدينة القديمة

قرارات البلدية العثمانية أنعشتها.. وزحف المباني الجديدة دفن بعضها ويهدد ما تبقى بالزوال
قناطر الموصل.. تراث من الجمال العمراني وممرات نحو اسرار المدينة القديمة
 
الموصل - جرجيس توما
(القناطر) احد المعالم التي تشتهر بها مدينة الموصل القديمة التي ميزتها عن غيرها من المدن، وليس هناك شارع او زقاق في الموصل القديمة الواقعة على الضفة اليمنى من نهر دجلة، الا وفيها قناطر.
و(القناطر)، هي عبارة عن قبب تستند الى عقد رخامية، على شكل اسطوانة، تربط بين دارين، او تمر من خلال احد الدور، لذلك فان القناطر أحيانا تحمل اسم صاحب الدار، او اسم المحلة او الزقاق المارة بها.
السلطات الحكومية، وخلال عقود طويلة اهتمت كثيرا بقناطر الموصل، وكان اخر ترميم لها في عام 2002، مع ذلك يتملك الخوف المهتمين بتراث مدينة الموصل، من مستقبل هذه القناطر التي اصبحت بعيدة عن أي صيانة، سيما وان البيوت التي حولها او الابنية فوقها تندثر وتتهالك يوماً بعد يوم.
ويقول المختصون في علوم الاثار ان عمر هذه (القناطر) يمتد إلى 1400 عام، وقد راج بناؤها منذ ذلك الحين وحتى القرن التاسع عشر الميلادي، وازداد الاهتمام بها على نحو كبير خلال العهد العثماني، لفوائدها الكثيرة، فمضافا الى شكلها الجمالي، كانت تحقق غايات عديدة منها وقاية المارة من الامطار وحرارة الشمس، وتمثل مداخل للأحياء، او رابطا بين عدة دور.
الباحث والمؤرخ أزهر العبيدي يشير الى عدد من الاسباب التي دعت لانشاء القناطر ضمنها في كتابه "موسوعة الموصل التراثية"، أولها أن البلدية في العهد العثماني كانت تفرض عند المباشرة ببناء منزل، شق زقاق في وسط الارض فيضطر صاحب البناء الى انشاء قنطرة توحد داره من الاعلى ليمتد الزقاق من تحتها. ويورد العبيدي سبباً اخر، وهو توحيد قطعتي ارض متجاورتين يملكهما شخص واحد او تعود ملكيتها الى عدة اشخاص تربطهم صلة قربى، فلا يكون من سبيل لتوحيد الدارين وشق زقاق في وسطهما سوى الاستعانة ببناء قنطرة لتكون ممراً مخفياً بين الدارين من الفوق.
واحيانا كان صغر حجم الدار يؤدي بصاحبه الى طلب الموافقة من البلدية العثمانية لتشييد قنطرة ملتصقة بالدار المقابل واستعمال سطحها غرفة تضاف الى بيته وتزيد من مساحته. وفي جميع الاحوال فان صاحب البناء هو من كان يتحمل التكاليف المالية للبناء. ولا توجد في العادة قنطرة غير مستغلة من الاعلى، ويستغلها اهل البناء في انشاء غرفة او ما شابه، وقد تكون بطابق واحد او اكثر، والمواد المستخدمة تكون من الرخام والجص والحديد. ومن ابرز قناطر الموصل، قنطرة الجليلين بناها محمد امين اغا الجليلي، وهي عبارة عن قنطرتين، ضمن دار (الجليلي)، وهذه العائلة لها تاريخ متجذر في مدينة الموصل، وحكم احد ابنائها مدينة الموصل ردحا من الزمن.
وتقع هذه القنطرة في منطقة شهرة سوق، او ما يطلق عليه اهل المدينة في الوقت الحالي (سوق النبي جرجيس)، وشيدت قبل ما يقرب من ثلاثمئة عام، والبيت من البيوت الكبيرة جداً حيث يتكون من طابقين يتوسطها فناء واسع تتوسطه حديقة، كما يتكون من ثلاثة أجنحة، جناح شرقي وجناح غربي وجناح جنوبي زيادة على المرافق الخدمية وبعض الوحدات السكنية للحراس والخدم فضلاً عن احتوائه على قنطرتين لمرور العامة من الناس. وهناك ايضاً قنطرة (الجومرد) وهي اشهر قناطر الموصل، وموقعها في شارع نينوى، تصل السوق بالجهة الثانية، والقنطرة الاخرى اسمها قنطرة (القطانين) وتربط ايضا الرجخانة بالجهة المقابلة، وتوجد ايضاً قنطرة (بيت اغوان) وتقابل قنطرة القطانين في الطرف الثاني من الشارع العام، وهناك ايضاً قنطرة (حاج توتو) تقع في منطقة الجامع الكبير (التي فيها منارة الحدباء الشهيرة).
وعلى مسافة غير بعيدة توجد واحدة اخرى تسمى قنطرة (بيت الحافظ)، وتصل بين ثلاثة مناطق دفعة واحدة، اما قنطرة (الجان) الواقعة بالقرب من محلة النبي جرجيس، فهي طويلة وتربط عدة طرق. ويروي الاهالي قصصا مخيفة عنها تتعلق بظهور الجن، وكان الصبية يتجنبون المرور فيها ليلاً.
وتوجد ايضاً قنطرة (حوش الخان) وتقع بالقرب من منطقة باب الطوب مركز مدينة الموصل، وهي من اصغر القناطر.
وفي منطقة الميدان توجد قنطرة يطلق عليها (الميدان)، وتربط منطقة الميدان بشارع النبي جرجيس، وكذلك منطقة قليعات، بينما تقع قنطرة (باب القلعة) في المنطقة التي تحمل نفس الاسم، وتصل المارة مباشرة بنهر دجلة.
ويشير المؤرخ ازهر العبيدي الى ان هناك قناطر هدمت في سنوات سابقة ومنها قنطرة البرذعجية، التي هدمت في عام 1972، وكانت تقع في الطريق المؤدي الى الجسر العتيق، والقنطرة الاخرى التي تم هدمها قنطرة باب جديد، بالقرب من مبنى محافظة نينوى الحالي

تعليقات