الاستغناء عن خدمات المهندس المعماري: توفير أم مجازفة؟

 
  
الاستغناء عن خدمات المهندس المعماري: توفير أم مجازفة؟
الاستغناء عن خدمات المهندس المعماري: توفير أم مجازفة؟
ستيفن كوروتز* - الشرق الأوسط - نيويورك:

أي عملية تجديد أو بناء من دون مهندس معماري يمدنا بخبرته فيما يتعلق بالتصميم أو بمخططات مفصلة قد تعتبر إما حماقة كبرى أو دليل ثقة عالية بالنفس، لأن حتى من يقومون بأعمال البناء والإصلاحات بأنفسهم ومن يتمتعون بأقصى درجات الحماسة في عملهم لديهم مبرر للخوف من انهيار جدار حامل، مثلا.



غير أن مجموعة من برامج الكومبيوتر أتاحت لملاك المنازل الاستغناء عن المهندس المعماري تماما وتصميم بيوتهم بأنفسهم. وبينما كانت تستخدم بالأساس في تصميم الأجزاء الداخلية من المنازل، فإن هذه الأدوات أصبحت أكثر تعقيدا، على نحو يسمح لأصحاب المنازل بالتعامل مع مشاريع أكبر.

وليس أدل على هذا من «ديزايند إكستيريور ستوديو» ( Designed Exterior Studio ) ، وهو برنامج إلكتروني جديد صممته شركة «بلاي جيم» الألمانية الكائنة في نورث كارولينا. فهو يقوم بمهمة تصميم كساء المنزل الخارجي والكسوة الحجرية للجزء الخارجي من المنازل وغيرها. ما يشجع في الأمر أنه بإمكان المستخدمين اختيار منزل افتراضي يحاكي منزلهم الخاص من جزء من صورة لما يقرب من أربعة وعشرين نمطا، ثم تغيير اللون والكساء الخارجي والنوافذ والسقف وإجراء تغييرات هيكلية مثل إضافة شرفة أو نافذة ناتئة من سقف مائل.

«نحن نأخذ المهارة المعمارية واختيارات الألوان والتصميم ونضعها بين يدي شخص لن يتسنى له تحمل تكلفة الاستعانة بمهندس معماري»، هذا ما قاله جون ستيفنسون، نائب رئيس قسم التسويق بشركة «بلاي جيم». أما بالنسبة للمبتدئين الذين يرغبون في إدخال تحسينات على الجزء الخارجي من أحد المنازل، على حد قول ستيفنسون، فإن البرنامج الإلكتروني «يساعدهم في ذلك».

ومن أمثلة برامج الكومبيوتر الأخرى التي تساعد ملاك المنازل في تحقيق ذلك الهدف «تشيف أركيتيكت» ( Chief Architect ) و«فلوربلانر.كوم» ( Floorplanner com ) و«غوغل سكيتش آب» ( Google Sketchup ) و«سويت هوم ثري دي» ( Sweet Home 3d ).

يقول جيروين بيكرز، المهندس المعماري الهولندي الذي صمم برنامج «فلور بلانر» الذي يكفل للمستخدمين تصميم مخططات مفصلة لغرف أو لمنازل بأكملها، مع الأثاث وتصميم الحدائق، إنه رغب في «إشراك الناس في عملية التصميم»، علما أن عدد مستخدمي الموقع المسجلين بلغ خمسة ملايين مستخدم، مع ما يقرب من مليون مخطط جديد يضاف إلى قاعدة بياناته شهريا، على حد قوله، كما أن لديه أيضا تطبيق «آي باد».

يعتقد بيكرز أن هناك مبالغة فيما يتعلق بأهمية وظيفته، ولإثبات ذلك الرأي، استشهد بالتصميم الخاص لقرية يونانية: «إنه ساحر، يتمتع بمساحات رائعة، ومع ذلك لم يشارك في تصميمه مهندس معماري على الإطلاق. الذين بنوها مجرد أشخاص عاديين عمل كل واحد منهم على بناء بيته».

وأضاف: «كل شخص لديه أفكار.. أعتقد أن الناس على درجة عالية من البراعة».

في الوقت الذي يستخدم فيه بعض الناس برامج مثل «فلور بلانر» في إنشاء مخطط يمكنهم أخذه إلى مهندس معماري أو عامل بناء، أو لمجرد الحلم، فإن آخرين يستخدمونه كمهندس معماري خاص بهم. استخدمت شيري بيترسيك، 30 عاما، وزوجها جون، 30 عاما، مزيجا من برنامجي «فلور بلانر» و«سكيتش آب» في إجراء عملية تجديد للمطبخ في مزرعتهما الكائنة في ريتشموند بولاية فلوريدا. وتعتبر هذه هي المرة الثانية التي يستعين فيها الزوجان ببرنامج كومبيوتر خاص بالتصميم المعماري بدلا من الاستعانة بمهندس معماري محترف للقيام بإصلاحات وترميمات للمنزل.

تقول بيترسيك، التي وثقت المشروع على مدونتها «يانغ هاوس لايف»: «نحن ننفذ كل أعمال البناء والترميم بأنفسنا دون الاستعانة بأي متخصص».

لقد رغبا في «تصميم منزل مميز تماما لمساحة متفردة تماما، والصور ثلاثية الأبعاد المتنقلة التي يقدمها برنامج (سكيتش آب)، ساعدتنا بحق في تصور عملية تجديد المطبخ».

يعتبر برنامج مثل «سكيتش آب»، الذي يستخدمه الكثير من المهندسين المعماريين، مفيدا وموفرا للنفقات، حيث قدرت بيترسيك أن تكاليف المطبخ الجديد ستقدر بنحو 7000 دولار، وهي تكاليف تعتبر أقل بكثير من متوسط تكلفة يتراوح ما بين 30,000 و40,000 دولار من الممكن أن يتكبداها في حالة استعانتهما بخدمات متخصص.

بدوره، استخدم فيليب وثاو جينتي، الطبيب البالغ من العمر 58 عاما، الذي لم يتلق أي تدريب في مجال العمارة أو الهندسة، برنامج «سكيتش آب» في تصميم منزل من طابق واحد مكون من ثلاث غرف نوم في تينيسي. كان مهتما بتوفير المال والوقت أيضا، عندما قرر تصميم هذا المنزل، وقد أمضى عدة أشهر في إعداد مخطط لمنزل من طابق واحد مكون من ثلاث غرف نوم في فيرفيو بولاية تينيسي، بحوائط سميكة عازلة ونوافذ كثيرة. باستخدام برنامج «سكيتش آب»، تسنى له الاستمرار في تعديل التصميم إلى أن أصبح راضيا عنه. وعلق قائلا: «إذا ما تعين علينا مناقشة الخطط مع مهندس معماري وقال: (نحن نرغب في تغيير هذا وذاك)، ستكون هناك مجموعة اجتماعات لا نهاية لها».

من هذا المنطلق، تعاقد مع مصمم وعامل بناء لتنفيذ مخططه، وقال إن افتقاره للمعلومات المتعلقة بالتصميم لم يمثل مشكلة بالنسبة له: «الشيء الوحيد الذي نأسف عليه في واقع الأمر هو وضع الرخام في الكثير من الأماكن، لأنه من الصعب الحفاظ عليه».

وفي عصر بات من الممكن فيه القيام بأي شيء تقريبا باستخدام الإنترنت، بما في ذلك الأعمال القانونية، من المغري التفكير في أنه بضغطة زر باستطاعة أي شخص أن يصبح مثل فرانك لويد رايت. غير أن معظم برامج التصميم، ومستخدميها، أمامهم قيود.

تقول باميلا رودريغيز، مصممة المطابخ المحترفة: «مع أنك تستطيع رسم صورة بديعة باستخدام البرنامج، ينبغي أن تسأل نفسك: (هل يمكن أن يبنى؟)، (هل يجب أن يبنى؟)».

رودريغيز، البالغة من العمر 55 عاما، أدركت صعوبة هذا الطريق عندما استخدمت برنامج «تشيف أركيتيكت» في وضع مخططات لتغيير موديل المطبخ في منزلها في سانتا ماريا بولاية كاليفورنيا. فرغم خبرتها، واجهت صعوبات عندما أخذت الصور إلى قسم التخطيط بالمدينة، واكتشفت أنها في مخططها طالبت بإزالة حائط مهم ساعد في دعم أحمال الزلزال وأبقى السقف متصلا بهيكل البناء.

«لم تكن تلك الأشياء واضحة مطلقا في صوري الرائعة»، هكذا قالت، مضيفة أنه لجعل التصميم عمليا، كان من اللازم بناء حائط قص آخر بتكلفة بلغت 5000 دولار.

وعلى الرغم من خبرتها مع برنامج «تشيف أركيتكت» - أو ربما بسببه - قالت رودريغيز إنها والكثير من المتخصصين في مجال التصميم يخشون من مجيء عميل إليهم بمخطط أعده بنفسه. تشرح: «لقد رسموا صورة ووضعوا فكرة».

وقال جون إسك، رئيس شركة «آر دبليو إيه أركيتيكتس» في سينسيناتي والرئيس المشارك للجنة الإٍسكان التابعة للمعهد الأميركي للمهندسين المعماريين، إنه التقى ببعض العملاء ممن وضعوا مخططات باستخدام برنامج تصميم، «المشكلة تكمن في أنهم بعد وضعها لا يمكنهم تخيلها بطريقة أخرى، مما يجعل إقناعهم للنظر في خيارات أخرى مهمة صعبة».

وأضاف أن الناس ينظرون إلى المهندسين المعماريين باعتبارهم يقدمون رسومات فقط، ولا يدركون أن هناك أمورا أخرى مهمة يتعاملون معها، مثل ابتكار تصميم يتوافق مع الموقع والمناخ، باستخدام مواد بناء محلية والتنسيق مع البائعين والتجار. وتابع إسك: «هذا أمر يصعب على شخص غير متخصص فهمه».

حتى بيترسيك، المتخصصة في أعمال البناء والإصلاحات بنفسها، قالت إنها وزوجها سيفكران مرتين قبل القيام بمشروع كبيرن مثل تصميم منزل باستخدام برنامج «فلور بلانر» أو «سكيتش آب». تقول: «يمكنني أن أتبين مدى شعورنا بالإنجاز بفضل هذا البرنامج، لكني أرى أيضا أنه يعطينا ثقة زائفة. يبدو الأمر أشبه بمراهنة كبيرة على نحو مروع».

وقال أوين كينرلي، وهو مهندس معماري من سان فرانسيسكو، إنه لا يعتقد أن برامج التصميم يمكن أن تحل محل المهندس المعماري، لكنها تبقى «مفيدة في كشف نوايا العميل»، على حد قوله «إضافة إلى ذلك، فإنها تعطيهم أيضا تقديرا لتحديات تخطيط المساحة، مما ينمي معارفهم ومهاراتهم في مجال التصميم».

يقدم برنامج «ديزاين إكستريور» الذي تطرحه شركة «بلاي جيم»، بالتعاون مع شركة «بي إس بي ديزاين»، وهي شركة هندسة معمارية، نموذجا هجينا، يسمح للناس بالاختيار من بين مجموعة خيارات (نوافذ وطوب وكسوة حجرية وكساء خارجي وألوان) ينتقيها مهندسون معماريون. بعبارة أخرى، هندسة معمارية مدعومة بتدريب، فشركة «تول براذرز»، المتخصصة في إنشاء منازل خاصة، لها برنامج إلكتروني مماثل يعرف باسم «ديزاين يور أون هوم». ومثلما أشارت ديريل باترسون، الشريكة في شركة «بي إس بي ديزاين»: «ربما لا يمكننا تعليم الناس الهندسة المعمارية على الإنترنت، لكن بإمكاننا منحهم الثقة كي يقولوا: لأفكر فيما يمكن أن يفعله شخص لديه الخيال والإبداع والثقة بمنزلي».

ومع ذلك، عندما يتعلق الأمر باستخدام مخططات صُممت باستخدام برامج كومبيوتر في إنتاج مشاريع حقيقية، فإن بيترسيك وزوجها أرسيا ما يمكن اعتباره القاعدة الذهبية. تقول بيترسيك: «نحن دائما نسأل أنفسنا: ما هو أسوأ شيء يمكن أن يحدث؟. إذا كانت المشكلة تخص هيكل المبنى أو الكهرباء، حينها يتوجب علينا الاستعانة بمتخصصين».
* خدمة نيويورك تايمز
Dr. EMAD HANI ISMAEEL
                 Ph.D. in Technologies for the Exploitation
                 of the Cultural Heritage .
                 Senior Lecturer in the Dept. of Architecture
                 College of Engineering , University of Mosul 
                 Mosul - Iraq .
E-mail:        emadhanee@yahoo.com
                   emadhanee@gmail.com
                   http://emadhani.blogspot.com/
Tel :           +964 (0)770 164 93 74

 

تعليقات