من نفائس التنزيل الزخرفي في الموصل
خلال العصور العربيه الاسلاميه
أ.د.احمد قاسم الجمعه
عندما اورد احد طلبة الدراسات العليا في الاثار السلاميه مصطلح (التطعيم) على
زخرفة جدران المبنى المتعلق برسالته, ويعني به وضع ماده داخل ارضيه لمادة اخرى مغايره لها بالنوع او اللون لغايات جماليه.
وكرر نفس المصطلح لدى تعرضه لزخرفة مصاريع المدخل من الخشب, قلت للطالب اثناء المناقشه لماذا اوردت ذات المصطلح بالنسبة للجدران الحجريه والمصاريع الخشبيه؟, فقال لي لان عملية تنفيذ الزخرفه في الحالتين تمت بنفس الصيغة, ولان بعض المراجع العلميه التي اعتدمتُ عليها ذكرت ذلك.
فقلت له يعد هذا من الاخطاء الشائعةٍ لدى العديد من الباحثين وحتى لبعض الاساتذه المتخصصين لان التسميه تختلف حسب نوعية المادة الموضوعه بداخلها الزخرفه, وتصويبها على الوجه الاتي: اطلاق تسمية (التنزيل) اذا وضعت الزخرفه داخل الحجاره والطوب, وتسمية (التطعيم) اذا نفذت على الاخشاب, بينما يطلق عليها (التكفيت) بالنسبه للمعادن, و(الترصيع) لدى تنفيذها على الجواهر والحلي.
والجدير بالذكر ان عملية (التنزيل) اعتدمت في زخرفة المباني في العراق منذ الالف الرابع قبل الميلاد, وعمت بعد ذلك معضم الفنون القديمه لكنها كانت ساذجه ومبسطه.
وخلال العصور العربيه الاسلاميه مرت بمراحل من التطور ووصلت درجه الابتكار, وغدت معجزة ولغز فني بمدينة الموصل في القرن (6 هـ/ 12 م)
ومن انفس الامثله على ذلك بقايا الانطقه الجداريه من الرخام الازرق المنزل بزخارف من الرخام الابيض في المدرسه النوريه بمدينه الموصل (589_607هـ/11931210م)ليس في الموصل فحسب وانما في بقيه ارجاء العالم الاسلامي . ويتجلى ذلك بالمعجزه الفنيه لزخارفها المنزله, فالمتتبع لخطوط وحداتها الهندسيه التي تكتنف مناطقها يجد امام عينيه اشكالا معينه , ثم سرعان ماتتلاشى لتستجد اشكال اخرى مغايره يختلف بعضها عن بعض خلال المنطقه الواحده وكأن المزخرف امسك بعصاه االسحريه يحركها كيفما يشاء. وبنفس الوقت بلغ اسلوب تنزيل الوحدات الهندسيه والنباتيه درجه عجيبه محيره للعقول الى درجه ان المتمعن بها والمتلمس لها لايتمكن من تفريقها عن الارضيه المنزله عليها الا باختلاف لونها. وقد تجاوزت عمليه التنزيل تلك الوحدات الى الاشكال الهندسيه الكائنه بداخلها. وبهذا يكون الصانع التطبيقي الموصلي قد اكتشف طريقه عمل (الموزايك) بوسائله المتواضعه قبل عصرنا الحالي باكثر من ثمانيه قرون ولابد من الأشاره الى ان عمليه (التنزيل الزخرفي)كانت تتم بحفر الاماكن المراد زخرفتها على ارضيه من الرخام والحجاره المسطحه بحدود سنتمتر وبحجم العناصر الزخرفيه المعده للتنزيل مسبقا ثم تلقى بداخل المساحه المحفوره, وتلصق بواسطه الجبس (البياض) المخلوط ببعض المواد الكيميائيه . وفي الختام لابد من الاشاره هنا ان مثل هذه الانطقه المغلفه للاقسام السفلى لجدران المباني من الداخل في العصور الاسلاميه كانت تؤدي غرضا وظيفيا وهو حفظ تلك الجدران من الرطوبه التي تسببها الخاصيه الشعريه , فضلا عن تحقيق الناحيه الجماليه. كما تعبر عن التطور الزخرفي المتمثل بالاطباق النجميه في زخرفتها الهندسيه , والرقش العربي (الارابسك) في زخرفتها النباتيه المبتكره , ناهيك عن التقنيه العجيبه في اعمال الترخيم الزخرفي. وهكذا كان استنطاقنا وتعرضنا لهذه الزخرفه وكيفيه تنفيذها تعبير عن بعض جوانب المنظور المعماري والفني والبيئي والجيولوجي والفيزيائي والكيميائي في الحضاره العربيه الاسلاميه قبل ثمانيه قرون من عمر الزمن.
تعليقات
إرسال تعليق